[b]حق القرآن الكريم (2)
القرآن الكريم معجز في لفظه ومعناه، محفوظبحفظ الله
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
إخوتي الكرام؛ مرة أخرى مع القرآن الكريم، نتعرّف على فضله ومكانته وحقوقه، فهو دليلنا إلى كل خير، وقائدنا إلى كل فلاح، ومُحذرنا من كل شر وهلاك..
إنه كلام الله، معجز في لفظه، باهِرٌ في معانيه، مَحفوظ بحفظ الله له، لا يَمَلهُ الأتقياء، ولا يَعِيبُه العقلاء، ولا يَنالُ منه السفهاء..
•القرآن الكريم كتابٌ مُعْجزٌ في لفظِهِ ومعناه؛فأكبرُ معجزة لرسولنا عليه الصلاة والسلام هي معجزة القرآن الكريم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء نبيّ إلا أعْطِيَ ما مِثلهُ آمَنَ عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وَحْيا أوْحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرَهم تابعا يوم القيامة". متفق عليه.
القرآن الكريم؛تحدَّى الله تعالى به الثَّقَلين من الإنس والجِنّ، فأذعَنَ لفصاحتِهِ بلغاؤهُم، وانقادَ لحِكمته حُكماؤهم، وانبهرَ بأسراره علماؤهم، وانقطعت حُجة معارضيه، وظهر عجزهم وضعفهم.. كيف لا؟! وهو كلام الحكيم الخبير، الذي خلق الخلق بعلمه، وتَعَبَّدهم بقدرته، فأنزل إليهم ما فيه صلاحهم ونجاحهم في الدارين، ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 144].
القرآن الكريم؛تحدّى الله به أفصحَ أمة نطقتْ بالضاد، أمة الخطباء، أمة الأدباء، أمة الشعراء، أنْ يأتوا بمثله، فقال سبحانه: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴾. ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثل سوره، فقال سبحانه: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾. ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثل سوره، فقال سبحانه: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾.
إنه القرآن الكريم؛الكتاب الذي أدهش المشركين ببلاغته وفصاحته وأسلوبه، ولولا عنادهم واستكبارهم لآمنوا به واهتدَوْا بهداه..
دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام ليصلي، والمشركون ينظرون إليه بتغيظ شديد، ورفعَ الحبيبُ صوته بالتلاوة، فقرأ سورة النجم كاملة، حتى ختمها بآيات جليلة مؤثرة: ﴿ أَزِفَتْ الآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ*أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ *وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ﴾. وخرّ النبي ساجداً لربه، فلمْ يَتَمالكْ أحد من المشركين نفسَه فخرّ ساجداً لله خلف رسول الله!.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس". أخرجه البخاري.
وهذا الوليد بن المغيرة، والدُ فارس الإسلام خالد بن الوليد، كان متعنتاً متكبراً منكراً، ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليَعرض عليه الملك والجاه والمال والسلطان حتى يرجع إلى دين آبائه وأجداده، فقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم آيات جليلة من القرآن الكريم، فتأثر بها الوليد، فلما رآه قومه قد تأثر بالقرآن، جاءه أبو جهل يَعرض عليه المال حتى يعود إلى إنكار ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الوليد لأبي جهل: قد علمتْ قريش أني مِنْ أكثرها مالا. فقال أبو جهل: فقلْ فيه قولا يبلغ قومك أنك مُنكِرٌ له، أو أنك كاره له. قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برَجَز ولا بقصيدة مني، ولا بأشعار الجن. والله ما يُشبه الذي يقولُ شيئا من هذا. ووالله إنّ لقوله الذي يقول حلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنه لمثمِرٌ أعلاه، مُغدِقٌ أسفله، وأنه ليَعلو وما يُعلى، وأنه ليُحَطم ما تحته. فقال أبو جهل: لا يَرْضى عنك قومُك حتى تقول فيه. قال: فدَعْني حتى أفكرَ. فلما فكرَ قال: هذا سِحْرٌ يُؤثرُ، يَأثرُه عن غيره، فنزل هذا الوعيد في حقه: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً *وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ* كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ*ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ*لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ ﴾ [المدثر:16 - 288] إلى آخر الآيات. أخرجه البيهقي والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.
وهذا عتبة بن ربيعة - من سادة قريش - يقوم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ليفاوضه باسم المشركين من قريش، ويَعرض عليه بعض العروض، لعله يقبل بها، ويترك دعوته. فعَرَض عليه المُلكَ والمال، ثم عَرَضَ عليه الطبّ إن كان ما يأتيه من قبيل الوساوس والجنون.. حتى إذا فرغ الرجل من عُرُوضه، وأتم مَهمته، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوقدْ فرغتَ يا أبا الوليد؟". قال: نعم. قال: "فاسمع مني"، قال: أفعلُ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ *بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلونَ ﴾... ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليه سورة فصّلتْ، وعتبة مُنصِتٌ لها، وقد ألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليها، يسمع منه، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آية السجدة من السورة، فسجد، ثم قال: قد سمعتَ يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك.
وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ قال له عتبة: ناشدتك الله والرحم أن تمسك. إذ لم يَعُدْ عتبة يتمالك نفسه أمام هذا الذي يسمع مما لا قبل لأهل الأرض به.
ثم قام عتبة إلى أصحابه الذين بعثوه عنهم رسولاً ومفاوضًا، إلا أنه كان قد سمع ما سمع، فأثر القرآن في نفسه وجوارحه، حتى بدا ذلك في وجهه، فقال القوم بعضُهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال: ورائي أني والله قد سمعت قولا ما سمعت بمثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة. يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها في، خَلّو بينَ هذا الرجل وبين ما هو فيه، واعتزِلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبْه العرب فقد كُفِيتموه بغيركم، وإن يظهرْ في العرب فمُلكه مُلككم، وعِزّه عِزكم، وكنتم أسعدَ الناس به. قالوا سَحَرَكَ والله يا أبا الوليدِ بلسانِه. فقال: هذا رأيي لكم، فاصنعوا ما بدا لكم. أخرجه البيهقي في الدلائل، وابن عساكر، والضياء.
إنه القرآن الكريم؛الكتابُ الذي سمعه نفر من الجن فتعجبوا واندهشوا من أسلوبه وبلاغته، فأذعنوا له وأسلموا واهتدوْا بهداه؛ قال تعالى في سورة الجن: ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً ﴾...
وقال عز وجل: ﴿ وَإذ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ*قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ *يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾.
إنه القرآن الكريم؛الكتابُ الذي مَرّ عليه الآن أكثرُ من أربعة عشرَ قرناً وهو لا يزداد إلا قوةً ونصراً وتأييداً من ربّ العزة سُبحَانَهُ وَتَعَالى.. ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾.
تحيا القلوب بمواعظه، وتطمئنّ النفوس بترتيله، وتقوم الحياة بأحكامه، وتعُمّ السعادة بآدابه، أسلوبه رفيع، ونظمُه بديع، لفظه مُعجز، وتعبيرُه باهر: ﴿ كِتَابٌ أحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾.
لم يَشُبْ بيانَه غُمُوض، ولم يَعِبْ لفظَه ضَعْف، ولم يَدخلْ معانيَه قصُور: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾.
•القرآن الكريم كتاب محفوظ؛تولى الله تعالى حفظه بنفسه، حتى يبقى في الأمة بنوره وهُداه إلى أن تقوم الساعة، فقال تعالى: ﴿ إنّا نَحْنُ نَزّلنَا الذكْرَ وَإنا لهُ لَحَافِظُونَ ﴾. ولمْ يَكِلْ حِفظه إلى بَشر، حتى لا يَلحَقَه تبديل أو تحريف كما لحِق الكتبَ السماوية قبله، حين أسْنِدَ حفظها إلى أتباعِها من البشر، فحَرّفوا وبدّلوا وغيّروا إرضاء لشهواتهم واتباعا لأهوائهم..
وقد ذكرَ القرطبي في تفسيره قصة واقعية عجيبة، تدل على أنّ هذا القرآن محفوظ بحفظ الله، ولن يستطيع أحد أن يناله بتحريف أو تزوير.. روى القرطبي بسنده عن يحيى بن أكثم يقول: كان للمأمون - وهو أمير إذ ذاك - مجلسُ نظر، فدخل في جملة الناس رجل يهودي حَسَنُ الثوب حسنُ الوجه طيّبُ الرائحة، قال: فتكلم فأحسنَ الكلامَ والعبارة، قال: فلما تقوّض المجلس دعاه المأمون، فقال له: إسرائيلي؟ قال نعم. قال له: أسْلِمْ حتى أفعلَ بك وأصنع، ووَعَدَه. فقال: دِيني ودينُ آبائي! وانصرف. قال: فلما كان بعد سنة جاءنا مسلما، قال: فتكلم على الفقه فأحسن الكلام؛ فلما تقوّض المجلس دعاه المأمون وقال: ألست صاحبنا بالأمس؟ قال له: بلى. قال: فما كان سببَ إسلامك؟ قال: انصرَفتُ من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنت تراني حَسَنَ الخط، فعَمَدْتُ إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة فاشتريَتْ مني، وعَمَدْتُ إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها البيعة فاشتريَتْ مني، وعَمَدتُ إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ وزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الوراقين فتصَفحُوها، فلما أنْ وجدوا فيها الزيادة والنقصان رَمَوْا بها فلم يشتروها؛ فعلمتُ أنّ هذا كتابٌ محفوظ، فكان هذا سببَ إسلامي. قال يحيى بن أكثم: فحَجَجْتُ تلك السنة، فلقيتُ سفيان بن عيينة، فذكرتُ له الخبرَ فقال لي: مِصداق هذا في كتاب الله عز وجل. قال قلت: في أيّ موضع؟ قال: في قول الله تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل: ﴿ بمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﴾. فجعل حفظه إليهم فضاع، وقال عز وجل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾. فحفظه الله عز وجل علينا فلم يَضِعْ.
فالقرآن الكريمكتاب محفوظ بحفظ الله له،لا يعتريه تبديل ولا تحريف ولا تزوير ولا زيادة ولا نقصان، حتى ولو اجتمع أهل الأرض على ذلك.. فإنّ وثائق النقل لتتضافر، وإنّ براهين الإثبات لتتواتر على أن هذا الكتاب عزيز: ﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾. كتاب محفوظ، لم ترْق إليه شبهة، ولم يَختلِطْ به كلامُ بَشر، ما شانَه نقصٌ، ولا شابته زيادة، كتاب خاص لمحمد، ولأتباع محمد صلى الله عليه وسلم، لم يقعْ لصاحب رسالة قبله أنْ أقامَ بكتابه دولةً سارَتْ في حياته مسيرتها نحو المشارق والمغارب، وبلغتْ من بعده دعوَتُها ما بلغ الليل والنهار: ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [القصص:499].
القرآنكتابٌكريم محفوظ،أوْدَع الله قوته في ذاته، حاوَلَ الأعداء قديماً وحديثاً، عرَبٌ جاهليّون، وغرْبٌ مستشرقون، وزنادِقة حاقدون، حاولوا جميعاً العَبَثَ بالقرآن، والتشويشَ في صدقه، فأجلبوا وجمعوا وتنادَوْا: ﴿لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت:266]. شككوا في تنزّله، وطعنوا في جمْعه وتدوينه، ونالوا من قراءاته وحُرُوفِه، ولكنها مُحاولات هزيلة، رَجعوا بعدها على أعقابهم خاسئين... فاستمِعْ إلى القرآن وهو يُسَجّلُ هذه الدعاوى المخزية في أسلافهم وأخلافهم: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً *وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ [الفرقان: 4 - 5]. وقالوا: ﴿ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ﴾ [النحل:103]. وقالوا: ﴿ سِحْرٌ مُسْتَمِرّ ﴾ [القمر:22]. وقالوا: ﴿ مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ﴾ [القصص:366]... ولما عجزوا واندحروا، رَضُوا لأنفسهم بالدّنِيّة والنقيصة، فقالوا: ﴿ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ﴾ [البقرة:88]. ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ﴾ [فصلت:55].
ومازال أعداء القرآن يتحاملون على القرآن الكريم ويسيئون إليه من حين لآخر، تارة بتدنيس المصحف وحَرْقِهِ وتمزيقه، وتارة بمحاولة تحريفه وتزويره، وتارة باتهام أحكامه بالقصور والتخلف والعجز عن مسايرة العصر حسبَ زعمهم، ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إنْ يَقولونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾. وقد حذرتْ بعضُ الهيئاتِ العلمية من وُجودِ تطبيقاتٍ للقرآن مُعَدّةٍ للتحميل على الهواتف الذكية فيها بترٌ ونقص في بعض الآيات، وتصحيف في بعض حروفه، فلنكنْ منها على بينة وَحَذر..
وكل محاولات الإساءة إلى القرآن الكريم باءتْ وستبوءُ بالفشل بإذن الله.. وسيبقى القرآن شامخا عزيزا برعاية الله وحفظه، وسينتشرُ نوره وضياؤه بين العالمين، ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾.
فعلى المسلمين أن يُقبلوا على كتاب ربهم، أن يتمسكوا بأحكامه، وأن يحافظوا على ألفاظه، وأن يأخذوا بأخلاقه وآدابه، وأن يؤدوا حقوقه التي أوجبها الله عليهم..
اللهماجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، واجعله قائدا لنا إلى رضوانك، وشفيعا لنا يوم لقائك يا كريم..
اللهمفرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، وأصلح أحوال المسلمين، واشف مرضى المسلمين أجمعين.
ربناظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربناآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وصل اللهموسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.[/b]