بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
(( ضعف النقد الهادف البناء ))
إن النقد الهادف البناء معول مهم للبناء في جسد المجتمع والأمة، وفي حالة غيابه فقد يحل محله النقد السلبي الذي يصدع جدار المجتمع والأمة ويهدم أركانها، وللأسف فإن نقدنا في الغالب ليس هادفاً، وإنما هو انتصار للنفس، وتجريح، وإيذاء للآخرين.
إن من إيجابيات النقد الهادف أنه يجعل المرء يغيّر سلوكه وإنتاجه وعمله وفكره إلى الأفضل، وبالتالي يرقى السلوك والفكر والعمل ويتطور الإنتاج، وتسير المجتمعات والأمم في طريق التقدم والرقي.
إن النقد الهادف البناء لا يختص بالأفراد فقط بل يشمل الأفراد، والجماعات، والمؤسسات الحكومية والأهلية صغيرة أو كبيرة.
فعلى سبيل المثال: جهاز خدمي، أو شركة ما أنتجت منتجاً معيناً كان به بعض العيوب والخلل، فكيف يتم التعرف على هذا الخلل إلا ممن حولهم، وممن يستخدمون هذا المنتج، فيوضحون ما عليه من الأخطاء والعيوب، أو ما فيه من الإيجابيات، وبالتالي تعيد الشركة حساباتها وترتب أوراقها في المستقبل بتلافي العيوب، وهكذا حتى يصبح المنتج ذا قيمة عالية، وجودة متميزة يعود عليها بالربح، ويعود أيضاً على المستخدمين بالفائدة.
المهم في الأمر أن تكون هناك آليات واضحة وسهلة وميسرة لتقديم النقد الهادف، بالإضافة إلى أن يكون إيصاله بطريقة مهذبة حضارية راقية لا تجريح فيها، ولا سخرية، وبلا استهزاء وازدراء.
إن من المشاكل التي تعاني منها بعض المجتمعات وجود فئة تتلذَّذُ بذكر المساوئ والعيوب, سواء عن الأفراد، أو الجماعات، أو المؤسسات، وإذا أرادت نقداً لأي أمر في هؤلاء استخدمت كل وسائل التجريح، والإيذاء والسخرية والقدح، فإذا سئلت عن جهاز خدمي معين قالت: إنه فاشل ولم يقدم شيئاً البتة، والمفترض إلغاؤه من الوجود، وهذا تجنٍّ على الواقع والحقيقة، المهم أن هذه الفئة تحتاج إلى توجيه وإرشاد وتثقيف، لتتعلم أصول النقد الهادف البناء الذي تحتاجه الأمة هذه الأيام أكثر من أي وقت.
وأوضح الشيخ محمد الغزالي - يرحمه الله – حقيقة النقد البناء وقال: إذا رأيت مخطئاً فلا تضربه على يده وعلى فمه، بل صور له الحق تصويراً حسناً، وقُده إليه قيادة رفيقة، هذا هو النقد البناء، لا تقل للمبطل: دع باطلك دون أن تكون قد صورت نموذجاً حسناً للحق الذى تدعو إليه، وقد صوره أحد شعراء المهجر فقال:
أيها الناقدُ أعمالَ الورى
هل أريْتَ الناسَ ماذا تفعلُ؟![1]
لا تقلْ عن عمل: ذا ناقص
جيء بأوفى ثم قل: ذا أكملُ
فالواجب من باب الحق والعدل وعدم الظلم أن نذكر السلبيات بالنقد الهادف البناء، ونذكر الإيجابيات لتعزيزها وتطويرها، وهذا يأتي من باب النصيحة، وقد جاء في الحديث الشريف: عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " الدِّينُ النَّصِيحَةُ "، قُلْنَا لِمَـنْ؟ قَالَ: "لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"[2].
[1] الغزالي، محمد، خطبة جمعة، بعنوان: القرآن ينظم قوافل الأحياء، مؤسسة ملتقى الخطباء، رقم: الخطبة 4075.
[2] مسلم، صحيح مسلم، كتاب: الإيمان، باب: أن الدين النصيحة، حديث رقم: 82.